Contents
إرهاصات المواجهة: أين تجد معركة طرابلس جذورها السياسية و العسكريّة؟
عاشت الساحة الليبية طيلة سنة 2018 و في الربع الأول من سنة 2019على وقع المفاوضات السياسية السابقة للحلّ التوافقي النهائيّ للأزمة وعلى بعض المواجهات العسكريّة في منطقة “فزان ” الجنوبية، أحد أكثر المناطق استراتيجية بالنسبة لموازين القوى داخل البلاد، إضافة إلى بعض جهات الغرب .نجح “خليفة حفتر” عموما في استغلال الانقسام الذي وقع لدى عديد الكتائب المتصارعة ليحقق عددا من الانتصارات العسكرية و السياسية في سبها و في المنطقة الغربيّة حيث أعلنت عديد المناطق مثل “صبراتة” و “صرمان” و “العجيلات” على بعد أقل من 100 كم من طرابلس ولائها التام له، ثم استعان بالأداة القبلية التي أغنته في كثير من الأحيان عن الالتجاء إلى لغة الرصاص.
أمّا العاصمة طرابلس فقد رزحت بدورها في أتون صراع محلّي ، مع قيام “اللواء السابع” بقيادة “محمد الكاني” التابع لمدينة ترهونة المجاورة بعملية عسكرية في العاصمة خلال سبتمبر الماضي بدعوى قيادة حملة ضدّ الميليشيات الموجودة في المدينة و فسادها المالي و سيطرتها على موارد الدّولة… وضعت الحرب أوزارها حينذاك بوساطة من حكومة السراج لإنهاء الاقتتال ،و تعهّد “اللواء السابع” تبعا للاتفاق بعدم مهاجمة طرابلس مستقبلا .غير أنّ المعركة أبرزت فيما أبرزته حدّة التناقض الاجتماعي بين جهات المنطقة الغربيّة نفسها، فترهونة منطقة داخليّة تعتمد بشكل كبير على القطاع الحكومي و الوظيفة العامّة و محسوبة بشكل ما على أتباع النظام السابق و هو ما زاد في تهميشها داخل السياق الوطني، في حين استفادت عديد المدن الأخرى كمصراتة و الزاوية من موقعها الجغرافي و نفوذها العسكري لتنويع أنشطتها الاقتصادية و توسيع دورها السياسي.
الوضع الدولي و الإقليمي كان مساهما بقوّة في دفع حفتر للتسريع بعمليّته العسكريّة على “طرابلس”، فأزمة الحكم الحاليّة في الجزائر شكّلت ظرفا ملائما لتحييد حليف قويّ لحكومة الوفاق عرف بتصدّيه المستمر لطموحات القائد العسكريّ ،كما ساهمت فرنسا بدورها في تشجيع “حفتر” أملا في تعزيز حصّتها من استغلال النفط الليبي بعد انسحاب شركة “طوطال” الفرنسيّة من السوق الإيرانية في الصائفة الماضية.
إلا أن الدعم العسكري الأكبر لهذه العملية أتى من المملكة العربية السعودية و الإمارات العربية المتحدة حيث أوردت “شبكة CNN” عن أحد الدبلوماسيين الإماراتيين تقديم الدولتين لمبلغ 200 مليون دولار كمساعدة للحملة العسكريّة في طرابلس، ونشرت الصحافة العالمية عديد التسريبات عن تقرير سري لبعض خبراء الأمم المتحدة حول استعمال حفتر لطائرات بدون طيار صينية من نوع “Wing Loong” في قصف بعض الأهداف، و هي طائرات تمتلكها الجيوش الإماراتية والمصرية والسعودية، وتم تسليمها بطريقة ما إلى قوات الشرق الليبي. كل هذه العوامل تدفع إلى القول بأن هذه المعركة لا تنحصر ضمن أفق المعادلة الوطنيّة لموازين القوى بل هي تأتي استجابة لبعض الطموحات الدوليّة و الإقليميّة التي انتهزت فرصة هذا الوضع الدقيق لإعادة تأجيج ديناميكيات الصراع.
و كان أن حانت ساعة الصفر فجر يوم 4 أفريل الماضي، ليكسب “حفتر” حليفا جديدا في المنطقة الغربية بانضمام بعض كتائب مدينة “غريان” لقوّاته، وهي المدخل الإستراتيجي لجنوب غرب طرابلس، و يقود عملية الهجوم على المطار الدولي ومعسكر “اليرموك” جنوب المدينة في الأيام اللاحقة مسنودا ببعض قوات مدينة “ترهونة” من قبيلة “الفرجان” ، وهي القبيلة التي ترجع جذور عائلة “حفتر” الأولى إليها . لكن قبل الخوض في تحليل ضاف لمسار هذه المعركة لا بدّ من إلمام مفصل بطبيعة القوى التي تتقاتل الآن و ولاءاتها السياسيّة و العسكريّة.
قراءة في البنية العسكريّة للقوات المشاركة في معركة طرابلس:
يفتقد كلا الطرفين في هذا الصراع إلى تراتبيّة عسكريّة فعليّة و واضحة تتّسق مع المفهوم المتعارف عليه للجيش المعاصر من حيث وجود عقيدة عسكريّة متينة و موحّدة، بل طغت في أحيان كثيرة الصبغة المناطقيّة أو العشائريّة و الإيديولوجية حتّى داخل الفصيل الواحد .و مع ذلك يمكن حصر القوى المقاتلة من الجانبين عموما بالشكل التالي:
بالنسبة للقوات الموالية لخليفة حفتر :
يشكّل العنصر القبلي و العقائدي (السلفية المدخليّة) العمود الرئيسي للقوات المساندة للقائد “خليفة حفتر”، و يظهر ذلك بشكل جلي في القوات العسكريّة للمنطقة الشرقيّة (برقة) التي تشكل نواة جيشه النظامي. ييرز من هذه القوات خاصة اللواء 106″ مجحفل ” الذي يحتوي على العديد من الكتائب (كتيبة طارق بن زياد التي تضمّ سرية المدافع و الصواريخ ، الكتيبة 192 مشاة بقيادة “عبد السنوسي ابسيط، الكتيبة 155 بزعامة “فتحي العماري” التي تقود محور “وادي الربيع ” جنوب شرق طرابلس وقد شاركت سابقا في معارك الجنوب الليبي…). يقود هذا اللواء نجل خليفة حفتر”خالد” و يضمّ في صفوفه عديد العسكريّين من منطقة “أجدابيا” الشرقية مسقط رأس حفتر وهو ما يفسّر عدد القتلى الكبير من أصيلي هذه المدينة في هجوم طرابلس. وكانت مشاركة هذا اللواء حاسمة في معارك المحور الجنوبي لطرابلس قرب المطار الدولي و في ضاحية “عين زارة”.
تساند هذه القوّات بعض الفصائل الحليفة من الغرب و الجنوب أبرزها:
- اللواء التاسع بقيادة عبد الوهاب المقري و معظم مقاتليه من مدينة “ترهونة” (خاصة قبيلة الفرجان) و من المنتسبين إلى الكتيبة 22 بالجيش الليبي زمن معمّر القذافي (إحدى كتائب النخبة) ،حيث يمتلك اللواء ترسانة قويّة من الأسلحة الثقيلة.
- قوات المنطقة العسكريّة الغربيّة بقيادة “إدريس مادي” من الزنتان و مقرّها في قاعدة “الوطية” الجويّة، و تضمّ مقاتلين موالين لحفتر من المنطقة الغربيّة (كتيبة الفاروق السلفيّة و هي من السلفيّة المدخليّة و يقودها “مروان صقر الزنتاني” و بقايا جيش القبائل من أنصار النظام السابق و مقاتلين من قبيلة ورشفانة جنوب طرابلس و من صبراتة) وقد انضمّت قياداتها إلى المعركة بشكل كبير منذ يوم 22 أفريل في المحور الجنوبي الغربي لطرابلس.
- القوة الثامنة ب”غريان” بقيادة “عادل دعاب” :شاركت سابقا إلى جانب قوّات مصراتة في عمليّة فجر ليبيا سنة 2014 إلا أنها انضمّت مؤخرا إلى قوّات حفتر و سهّلت عمليّة دخولها إلى مدينة غريان قبيل نشوب معركة طرابلس.
- كتيبة سبل السلام : من مدينة الكفرة قرب الحدود الليبية السودانية و تنتمي إلى التيار السلفي المدخلي، و ظهرت في ساحة معركة طرابلس في الأسبوع الأخير من شهر أفريل.
بالنسبة للقوات الموالية لحكومة الوفاق:
تعتمد الحكومة المعترف بها دوليّا على عديد الفصائل العسكريّة و الأمنيّة التي تتبع بشكل ما القيادة العامّة لأركان جيش الوفاق، حيث تتوزّع على ثلاث قيادات رئيسيّة و هي:
- القيادة الوسطى برئاسة محمد الحدّاد و تشكّل قوّات مدينتي “مصراتة” و “زليطن” عمادها الرئيسي و من بينها قوّات البنيان المرصوص التي ساهمت في دحر تنظيم الدولة الإسلامية من مدينة سرت، وقد لعب وزير الداخليّة الحالي لحكومة الوفاق “فتحي باش آغا” دورا كبير في تأطيرها و تجميعها . تقاتل هذه القوّات أساسا في المعارك الدائرة بمنطقة “قصر بن غشّير” و حول المطار الدولي كما تقوم أحيانا بمهام إسناد للمحاور الأخرى في جنوب غرب طرابلس إضافة إلى امتلاكها لسلاح الطيران .
- قوّة حماية طرابلس و تتكوّن من كتائب المدينة الكبرى (كتيبة النواصي، كتيبة ثوار طرابلس، فرسان جنزور، الردع و التدخّل المركزي أبو سليم بقيادة عبد الغني الككلي، كتائب مدينة تاجوراء..)
- القيادة الغربيّة برئاسة “أسامة الجويلي” و هو أبرز قيادات مدينة الزنتان ، كما يبرز من قادتها أيضا الرائد “عماد طرابلسي” ، تضمّ هذه القيادة مقاتلي المجلس العسكري بالزنتان و بعض المدن الأخرى بجبل نفوسة المنضوية تحت مسمّى “القوّة الوطنية المتحرّكة” و هي تجمّع لكتائب الأمازيغ بمدن “نالوت” و “جادو” و “يفرن” إضافة إلى تجمّع كتائب مدينة الزاوية ،و قد قامت هذه القيادة بدور حاسم في المعارك الدائرة بمحور “العزيزية-غريان” جنوب غربي طرابلس و في احتواء قوّات حفتر عند بوابة ال27 قرب مدينة الزاوية و أسر عدد كبير من مقاتليه في اليوم الأول من الهجوم.
- كما تشارك بعض الفصائل العسكريّة الأخرى المعادية لحفتر والتي لا تعلن تبعيتها لجيش الوفاق في الآن نفسه إلى جانب القوات المدافعة عن مدينة “طرابلس” و من بينها “لواء الصمود” بقيادة” صلاح بادي” من مدينة مصراتة.
- أمّا عن كتيبة “الردع” الأمنيّة في طرابلس و المحسوبة على التيار السلفي المدخلي فلا يعرف بالتحديد حجم تواجدها في المعركة الحالية.
مسار المعركة : هل يجوز الحديث عن إمكانيّة الحسم العسكريّ؟
لم يسع “خليفة حفتر” الإعداد ل”عمليّة “طوفان الكرامة” دون سند دوليّ كبير من الناحية العسكرية و الدبلوماسية، فقد صرّح وزير الداخلية لحكومة الوفاق المعترف بها دوليّا “فتحي باش آغا” وصول الفرقاء الليبيين إلى بوادر اتفاق سياسي قبيل حدوث هذه العمليّة العسكريّة المفاجئة، و هو ما يعكس شيئا من التواطؤ الدولي الضمني مع أحد أطراف النزاع.
تعدّ روسيا حاليّا أبرز القوى الدوليّة الداعمة لحفتر ،و هي التي كان من المفترض أن ترعى جولة جديدة من المفاوضات الليبية ، إذ أنّها سرعان ما عطّلت استصدار قرار من مجلس الأمن بمبادرة بريطانيّة يدين الهجوم على طرابلس في الثامن من أفريل الماضي، كما رصدت صحيفة “التلغراف البريطانيّة” سابقا اجتماعا جمع “حفتر” بوزير الدفاع الروسي و رئيس شركة “فاغنر” الأمنيّة الروسية في نوفمبر الماضي كانت نتيجته تزويد حفتر ببعض المعدّات العسكريّة ، و أكدت مصادر أخرى وجود دعم عسكريّ فرنسيّ لقوات “الكرامة” حيث بادرت وزارة الداخليّة الليبية التابعة للوفاق إلى وقف العمل ببعض الاتفاقيات الأمنية السابقة مع فرنسا عند وقوع الهجوم في طرابلس، كما أثارت جملة من الأحداث جدلا كبيرا حول هذا الدور عقب وصول بعض الدبلوماسيين الفرنسيين (أو عناصر مخابراتية حسب يعض الروايات) إلى الحدود التونسية و تداول بعض الأخبار عن إنزال سفينة حربيّة تحمل العلم الفرنسي لبعض الأسلحة الهجومية و ثلاث قطع عسكريّة لصالح حفتر بميناء “رأس لانوف” النفطي في 25 أفريل الماضي، هذا فضلا عن الدعم المعروف من قبل مصر و الإمارات و المملكة العربيّة السعوديّة. فيما يرى البعض أن اتصال حفتر بالرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” يوم 15 أفريل كان بمثابة الضوء الأخضر لمواصلة الهجوم بعد عمليّة الصدّ القويّة التي جابهتها قوّات حفتر أثناء الأسبوع الأوّل من المجابهات.و على الجانب الآخر أيدت إيطاليا موقف حكومة الوفاق إضافة إلى تركيا التي تحاول الآن الضغط على الجانب الروسي بعديد الوسائل لتعديل موقفه من الأزمة.
راهن “حفتر” كذلك على الجانب الاجتماعيّ و خاصّة منه العمق السكاني داخل طرابلس محاولا استمالة الرأي العام الذي تبرّم من المشاكل الاقتصاديّة و نقص السيولة الماليّة، و هو عامل ساهم في إيجاد نوع من الشعبيّة النسبيّة لجيشه قبيل المعركة. أحسن حفتر استعمال الأداة القبليّة ببراعة لمدّ نفوذه داخل البلاد ، إذ معظم التشكيلات العسكريّة الموالية له تتكوّن من الفروع القبليّة الكبرى للشرق و الجنوب الليبي (العواقير ، العبيدات، أولاد سليمان..) ، و سعى في جانب آخر إلى تنظيم مؤتمر شكليّ لقبائل المنطقة الغربيّة بمدينة “ترهونة” قرب طرابلس يوم 26 أفريل لإضفاء نوع من الشرعيّة الاجتماعيّة على التحرّك العسكري الأخير ،غير أنّ استهداف عديد المدنيّين جراء القصف الصاروخي داخل المدينة و غموض البديل السياسي الذي من أجله تم القيام بهذا الهجوم فضلا عن الحساسيّة التي أفرزتها مباركة شخصيّات كثيرة من أتباع النظام السابق لعمليّة طرابلس لدى شريحة شعبيّة هامّة و مؤثرة، قد أسهم إلى حدّ كبير في انحدار شعبيّة حفتر في المنطقة الغربيّة خلال الآونة الأخيرة.
ميدانيّا ، امتدّت المعركة على عديد المحاور منذ يوم 4 أفريل كان أعنفها المحور الجنوبيّ الغربيّ بين مدينتي غريان و العزيزيّة و المحور الجنوبي في” قصر بن غشير” و مطار طرابلس الدولي و المحور الجنوبيّ الشرقيّ في منطقة وادي الرّبيع كما حصلت مواجهات أقلّ حدّة في بعض المحاور الجانبيّة كمحور” الزهراء” غرب طرابلس و محور “السواني”حيث شهد الأسبوع الأوّل تقدّما مرحليّا لقوّات حفتر في منطقة المطار الدولي و مدن “العزيزيّة” و “عين زارة” و “قصر بن غشير” قرب الضواحي الجنوبيّة لطرابلس قبل أن تستردّ القوات الموالية لحكومة الوفاق الوطني عديد المناطق في المحور الجنوبيّ الغربي و في “قصر بن غشير” قرب ترهونة و تلجأ إلى بعض الالتفافات التكتيكيّة التي ساهمت في تعطيل عدد من الهجومات في بعض المحاور و تدمير جزء من الأرتال العسكريّة لقوّات عمليّة ” الكرامة”. من جهة أخرى شهد الأسبوع الثاني من القتال دخول سلاح الجوّ بشكل فعليّ إلى ساحة المعركة من الطرفين ، حيث اعتمدت قوّات حكومة الوفاق على الطيران الحربيّ لمدينة مصراتة خاصّة في ضرب خطوط إمداد حفتر القادمة من بنغازي و من بعض القواعد الأخرى في الجنوب الليبي كقاعدتي “الجفرة” و “تمنهنت” كما استخدم حفتر من جهته عددا من الطائرات بدون طيّار في قصف بعض المناطق الحيويّة في طرابلس و ضواحيها.
وجه آخر من وجوه الحرب ينتظر منه لعب دور حاسم في المعادلة الحاليّة ألا و هو الحرب الاقتصاديّة، فقد فجّر تقرير تحليليّ أصدرته وكالة “رويترز في 25 أفريل 2019 الجدل حول التبعات الاقتصاديّة للمعركة في طرابلس مع إمكانيّة قيام “مصرف ليبيا المركزي ” الموجود في العاصمة بخطوات للحدّ من عمليّات البنوك في مناطق الشرق الليبي و التي بلغت قيمة ديونها أكثر من 8،25 مليار دولار و قد تشمل مثل هذه الإجراءات الحدّ من إمداد البنوك الشرقيّة بالعملة الصعبة عن طريق قطع ارتباطها بالنظام المصرفي الإلكتروني الليبي. سيؤدّي هذا الإجراء في حال حدوثه إلى دفع “حفتر”لبيع المواد النفطيّة في المناطق الخاضعة إلى سيطرته بطريقة غير شرعيّة من دون المرور بالمؤسسة الوطنية للنفط التي ترجع إلى نظر حكومة الوفاق الوطني، وهو ما قد يفتح جبهة أخرى في الصراع المتأجج. في كلّ الحالات تبقى تبعيّة المؤسسات الرسميّة للاقتصاد الليبي إلى حكومة الوفاق عنصر قوّة رئيسي و أداة مشروعيّة جادّة تعطي أفضليّة واضحة للمجلس الرئاسيّ من الناحية السياسيّة إلى حين انتهاء أمد المواجهات العسكريّة.
آفاق المعركة و هواجس الأمن القومي التونسي:
من السابق لأوانه الحكم بانتصار أحد طرفي النزاع في معركة طرابلس المصيرّية،إذ أن الغموض لا يزال يسود الاستراتيجيّة و الخيارات العسكريّة التي سيتمّ اعتمادها خلال الأيّام القادمة. فلدى “حفتر” إمكانيّة فتح محاور جديدة قرب المناطق الساحليّة المحاذية لطرابلس (شرقا قرب تاجوراء أو غربا من جهة الزاوية) و هو ما قد يمثّل استنزافا حقيقيا لقوات الوفاق مع طول أمد المعركة ، في حين تملك هذه الأخيرة إمكانيّة جرّ قوّات حفتر إلى داخل أحياء المدينة و بالتالي اللجوء إلى حرب شوارع قد تشتّت المجهود العسكريّ لقوّات الكرامة و تحيّد الأسلحة الثقيلة التي يستعملها حفتر حاليّا في المواجهات أو ستحاول ربما في مرحلة أخرى الخروج من حالة الانكماش الحاليّ في المحاور وقيادة هجوم مضادّ على قواعد حفتر في مدن “غريان” و “ترهونة”.
إلاّ أنه، و في كلّ الحالات، لا يمكن الجزم بسيطرة فعليّة و واقعيّة على طرابلس دون التحكّم في الخط الساحليّ الذي يمتدّ إلى الحدود التونسية و المناطق المجاورة له ،لا على اعتبار مكانته اللوجستيّة كخطّ الإمداد الرئيسي للسّلع التموينية و المبادلات الاقتصاديّة لكافة منطقة الغرب فحسب، بل لمكانته الإستراتيجية على الصعيد الوطني، حيث تشهد هذه المنطقة بدورها واقعا معقّدا من حيث الولاءات العسكريّة و السياسيّة ، فمعبري “رأس الجدير” و “وازن” يخضعان إلى سيطرة بعض الميليشيات الأمازيغيّة من مدينتي “زوارة” و “نالوت” الحدوديّتين التي أبرمت اتفاقيّات مع حكومة الوفاق تنظّم عمليّة حماية المعابر ، في حين توالي قبائل النوايل و الصيعان و المحاميد المنتشرة قرب الفضاء الحدوديّ التونسي في بلدات “الجميل ” و “العجيلات” و” رقدالين” و “العسّة” قوّات خليفة حفتر و تشكّل جزءا من قيادته العسكريّة الغربيّة، كما تقع في هذا الفضاء قاعدة “الوطية ” العسكريّة الجوّيّة الخاضعة لسيطرة قوّات “حفتر” على بعد 35 كيلومترا من الحدود التونسيّة و هي إحدى أكبر القواعد العسكريّة على مستوى شمال إفريقيا، و تحتوي على غرفة عمليّات و بنية تحتيّة عسكريّة تسمح بتواجد أكثر من 7000 جنديّ ، حيث لم توفّق قوّات الوفاق في تحييد هذه القاعدة التي تنطلق منها بعض الطائرات الحربيّة المشاركة في قصف مدينة طرابلس.
لذا من المتوقّع نشوب نزاع في هذه المنطقة في أيّة لحظة ، وهو ما من شأن تبعاته أن تعرّض الأمن القوميّ التونسيّ للخطر بشكل مباشر مع وجود امتدادات اجتماعية و سياسية لطرفي الصراع على الجانب الآخر من الحدود…
—
الصورة مقتبسة من موقع https://libya.liveuamap.com/ar بتاريخ 12 ماي 2019
شكرا لسيف الدين الطرابلسي للإيضاحات.
تنسيق: محمّد الحدّاد، رئيس التحرير