لتحميل التقرير:
Loading...
بعد مرور سبع سنوات من سقوط الدكتاتورية، لا تزال آفة الفساد وهشاشة الثقة بين النخب السياسية ومسؤولي الدولة من بين أهم المشاكل الراسخة التي تعاني منها تونس بشكل عام. غير أن بقاء مثل هذه الظواهر لا يظل في دائرة الأمور الحتمية إذ توجد عديد الآليات التي قد تساهم في احتوائها وتعزيز ثقة المواطنين في ممثليهم. وإذا ما نُفِّذت آلية التصريح بالمكاسب تنفيذا سليما، فإنها ستكون حتما أداة فعالة لمكافحة الإثراء غير المشروع وتضارب المصالح.
احتفل القانون المنظم للتصريح بالمكاسب في تونس سنة 2017 بمرور ثلاثين سنة على إحداثه. وهذه الذكرى تتزامن مع مراجعة مجلس نواب الشعب لهذا لإطار القانوني والمبادرات التشريعية المقدمة من طرف الحكومة والنوّاب. إذ يبقى الغرض الرئيسي من هذه النصوص تحيين الإجراءات وملائمتها للمتطلبات الدستورية المذكورة في الفصل الحادي عشر من دستور سنة 2014 الذي ينص أن “على كل من يتولى رئاسة الجمهورية أو رئاسة الحكومة أو عضويتها أو عضوية مجلس نواب الشعب أو عضوية الهيئات الدستورية المستقلة أو أي وظيفة عليا أن يصرح بمكاسبه وفق ما يضبطه القانون”. وفي هذا الإطار ينبغي قبل سنِّ قانون جديد، استعراض التجربة التطبيقية لقانون عام 1987، واستخلاص الأخطاء المرتكبة والعيوب الكامنة في هذا النص للحوْل دون تكرارها.
ضمن هذا السياق اهتمت جمعية برّ الأمان بكيفيّة استعمال هذا الإجراء كوسيلة لضمان نزاهة الحياة السياسية ومكافحة الفساد. ولتقييم هذه السياسة العامة ارتكز عملنا على المنهجية التالية:
قمنا بدراسة الإطار القانوني ساري المفعول.
لتقييم مدى تطبيق القانون المنظم للتصريح بالمكاسب، الذي دخل حيز النفاذ منذ يوم 10 أفريل 1987، التجأنا إلى قاعدة البيانات الشاملة للمصرّحين وأسباب التصريح منذ شهر مارس 1987 إلى شعر مارس 2017.
قمنا أيضا بالتساؤل حول إرادة المشرّع وجهة المبادرة من خلال تحليل المداولات البرلمانية في مارس 1987 ومن خلال مقابلة مع الوزير الأول آنذاك رشيد صفر، المبادر بطرح فكرة هذا القانون.
لفهم المُمارسات العملية للتصريح على المكاسب، قمنا بإجراء حوارات مع الأشخاص المعنيين بهذا الإجراء ومسؤولين بدائرة المحاسبات.
اهتممنا كذلك بالتجارب المقارنة دوليَّا: ما الذي يدفع دولة لإرساء أو تنقيح منظومة التصريح على المكاسب؟ ما هي الإمكانيات المتاحة قانونيَّا للمواطنين والفاعلين السياسيين والصحفيين لضمان شفافية الحياة العامة وعدم سير المؤسسات والمسار الديمقراطية.
مخرجات هذا العمل لا تدعو للتفاؤل. فلا نُبالغ إذا اعتبرنا أن قانون 17/1987 يظل من خلال ما أثبتته التجارب عقيما وغير ناجع.
حيث تفتقد تونس إلى أبسط آليات الرقابة والعقاب في هذا الميدان نظرا إلى أن مضمون التصاريح سرّي خلافا للعديد من البُلدان الأخرى. إذ أنه لا يمكن للصحفيين أو للمجتمع المدني تبعا لذلك السهر على نزاهة الحياة السياسية عبر الاطلاع على هذه التصاريح. وقد تم اعتماد معيار السرية أيضا في مشروع القانون الذي تنظر فيه الجلسة العامة لمجلس نواب الشعب في جوان 2018. بل وتم تدعيمها بتجريم نشر محتوى هذه التصاريح.
فالأرقام هنا تتحدث من تلقاء نفسها. إذ تمّ إيداع أكثر من 25.000 تصريح خلال ثلاثين سنة من 1987 إلى 2017. فكم هو عدد الأشخاص الذين كان عليهم أن يصرحوا؟ لا يمكن لأحد الإجابة عن هذا السؤال. بالفعل، حسب معلوماتنا، لم تقم الدولة بمتابعة التسميات ونهاية المهام للتعرّف على المخالفين. وهذا ما يجعل هؤلاء خارج طائلة القانون وغير مشمولين بأي بحث أو تتبّع. وبغض النظر عن عدد الذين لم يصرحوا إذا ركزنا من زاوية أخرى على التصاريح المودعة، فإننا نلاحظ أن فاعليتها تكاد تكون معدومة إذ لم يُستعمل أيَّا منها من طرف العدالة خاصة وأجهزة الدولة عموما، فبالعودة إلى إحصائيات دائرة المحاسبات في نفس هذه الفترة، فإننا نجد أن ثلث هذه التصاريح قد أودعت خلال 9 أشهر أي بين أفريل وديسمبر 1987. أمّا الثلثيْن الباقيين، فقد تمّ إيداعها على مدى 29 سنة. وقد كان تطبيق واجب تجديد التصريح كذلك محدودا، إذ قام ربع المصرحين بالتجديد على الأقل مرة في ثلاثين سنة، في حين أن القانون يقتضي التجديد كل خمس سنوات. بل إنّ 1 بالمائة فقط من مجموع التصاريح أودعت عند انتهاء المهام. وهو ما يؤكّد عدم نجاعة هذه المنظومة القانونية القائمة على السرّية وانعدام الرقابة.
لصياغة توصياتنا حول الموضوع، استندنا الى الثغرات التي لاحظتها في القانون الحالي و في التطبيق كما استأنست كذلك بدراسة التجارب المقارنة. إضافة إلى أننا قد أولينا اهتماما خاصا بتحليل مشروع القانون الحكومي عدد 89/2017 ومقترحات القوانين.
لهذا تعتبر جمعية» بر الأمان « أن أي تحيين في المنظومة القانونية سيظل غير ناجع بل ومهدرا للوقت إذا افتقر إلى المبادئ التالية:
النشر:
التصاريح ينبغي أن توضع في متناول المواطنين حتى يتمكنوا من كسب الثقة مجددا في مؤسسات الدولة وممارسة حق الرقابة على ممثليهم.
الرقمنة:
التصاريح ينبغي أن تكون مرقمنة حتى يتم الضغط على تكاليف التصرّف وتسهيل استغلالها وخاصة اختصار الفترة التي تتطلبها إجراءات التصريح.
المراقبة:
المراقبة يجب أن تكون منهجية خصوصا على المواقع الأكثر أهمية، وبصفة عشوائية على نسبة ما من بقية المهام المدرجة بقاعدة البيانات