Contents
كانت المناظرات الرئاسية التي اجريت بين المترشحين لسباق الرئاسية في تونس محط أنظار المدونين الليبيين. لكن هل أن هذا الاهتمام ظرفيّ متعلق بالمناظرة أم هو اهتمام أشمل؟ ما مدى اطلاع المواطنين الليبيين على ملف الانتخابات التونسية؟ و ما الذي تمثله بالنسبة اليهم؟
في مقابلة صحفية مع بر الأمان، يطلعنا الصحفي الليبي ومؤسس المركز الليبي للصحافة الاستقصائية جلال عثمان (@jalalothman) على صدى الانتخابات التونسية في الشارع و الصحافة الليبية و على اهمية الشأن السياسي التونسي بالنسبة للمواطنين الليبيين.
إلى أي مدى يهتمّ الشارع الليبي بالانتخابات الرئاسية في تونس؟
اجمالا الشأن العام التونسي يحظى باهتمام كبير من قبل الليبيين و ذلك لأسباب مختلفة. أولا و بدرجة أولى، لأن تونس كانت أولى الثورات في الربيع العربي. بقي البلد دائما محل قياس و مقارنة بالأوضاع المحلية.
السبب الثاني يعود الى قرب تونس من العاصمة الليبية و من مكان اتخاذ القرار في ليبيا. عامل المسافة يجعل الليبيين مهتمين بالشأن العام التونسي ككل, حتى خارج الفترات الانتخابية. و ذلك بالرغم من الظروف الصعبة من حرب وأزمة اقتصادية.
هناك اسقاط دائم من طرف الليبيين للحالة التونسية على أنفسهم. اذ انهم يرون ان تونس مرت هي الأخرى بفترات صعبة جدا لكنها كانت قادرة على تجاوزها. اذا، هناك تساؤل دائم لدى المواطن الليبي “لم استطاعت تونس تجاوز كل التحديات في حين فشلت ليبيا في ذلك؟ لمَ لمْ يتمّ استخدام العنف في تونس و احتكم الشارع التونسي الى صناديق الاقتراع في حين لجأ الليبيون الى صناديق الذخيرة؟”
من بين المقارنات المطروحة خاصة في الصحافة وفاة و جنازة الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي و التي مرت بسلاسة. فكما ورد في مقال لعبد الرزاق الداهش وهو صحفي معروف رئيس هيئة دعم وتشجيع الصحافة، فان حادثة وفاة الرئيس مرّت و كأنما الرئيس الراحل كان خارجا في نزهة, اذ تم تناول مقاليد السلطة بسلاسة ولم يحدث أي فراغ سياسي ولم يعلن وزير الدفاع عن فرض الحكم العسكري. على عكس ذلك، مرّت الأمور بتلقائية و في المساء كان التونسيون يخرجون للمنتزهات كأن شيئا لم يحدث. هذا جعل الليبيين يتساءلون لم لا يحدث ذلك في ليبيا؟
“لمَ لمْ يتمّ استخدام العنف في تونس و احتكم الشارع التونسي الى صناديق الاقتراع في حين لجأ الليبيون الى صناديق الذخيرة؟”
يرى الصحفيون و المدونون في ليبيا أن تونس حققت مراكمة سياسية مهمة تعود اسبابها إلى التعليم الذي أسس له الحبيب بورقيبة و المؤسسات القوية الضاربة في جذور التاريخ. و هذا لا يتوفر في ليبيا حيث ان نظام القذافي قام بتسطيح كل المجالات من الصحة إلى التعليم والأخلاق العامة و هيمن بأفكاره على الشعب و هذا ما سبّب فقرا في العقول. و هذا راجع إلى غياب المأسسة في ليبيا الناتجة على الغاء الدستور و القوانين تحت حكم القذافي و منع الأحزاب قبل ذلك منذ فترة الملك ادريس. فلمدة أكثر من 60 سنة، لم يعرف الليبيون العمل الحزبي في حين أنه هو المؤطر للمؤسسات و المواطنين و العلاقة بين الحاكم والمحكوم. هذه السنوات من غياب الهياكل المنظمة للحياة السياسية جعلت الليبيين يزهدون في المشاركة في السلطة أو الحكم. و يقفون ذاهلين بعد نهاية حكم القذافي, يتساءلون “ما العمل؟” اذ انهم لا يملكون خبرة في العملية السياسية.
ماهي اهمية العلاقة بين تونس و ليبيا بالنسبة للمواطنين الليبيين في هذه الفترة؟
يتركز أكثر من 3 ارباع السكان الليبيين بين طرابلس و المدن المجاورة غربا. هذه المناطق المتاخمة لتونس لا تنظر الى تونس كدولة مجاورة بل تنظر إليها كامتداد للمجال الليبي. فإن المطار الدولي لليبيا هو تونس خاصة بالنسبة للرحلات التي تنطلق إلى أوروبا. تونس تمثل أيضا لليبيين وجهة للتشفي خاصة في غياب الكفاءات الطبية و المستشفيات جيدة الخدمات في ليبيا. لهذه الأسباب، هم حريصون على أن لا تكون هناك علاقات متوترة في تونس في ظل رئيس ربما قد لا يكون متفهما للحالة الليبية.
منذ 2011، لم تعادي تونس ابدا الغرب الليبي. فهي لم تقفل الحدود مع طرابلس في انطلاق ثورة 17 فبراير رغم ان القذافي هو من كان يسيطر على تلك المنطقة حتى 2011/08/20. تونس لم تقفل الحدود ايضا عندما سيطرت قوات فبراير على المعابر و لم تقفلها عندما حدث الانقسام في 2014 وكانت الحكومة المعترف بها دوليا خارج طرابلس. رغم كل الإشكاليات حافظت تونس على علاقة جيدة مع إقليم غرب ليبيا و طرابلس وكان لليبيين أن ينتقلوا و يعالجوا. فلا يريد الليبيون لهذه العلاقة أن تتأثر بأيّ رئيس قادم قد لا يكون متفهّم لهذه العلاقة.
هل هناك سمات يريدها الليبيون في رئيس تونس القادم؟
الرأي العام الليبي يريد لتونس أن تبقى استثناء و لا يريد رؤيتها تحت حكم شخص لا يكون بالانفتاح و الرصانة السياسية التي كان عليها الباجي قايد السبسي. انّ الليبيين، رغم الاخطاء التي ارتكبوها في تونس من إدخال السلاح وغيرها من القضايا، الاّ أنّ تونس لا تزال بالنسبة إليهم الملجأ الذي يحتضن الليبيين بكل مشاربهم. فهم يخشون أن يأتي رئيس يوما ما و يقول “لا نريد التعامل مع الليبيين و سنقفل الحدود لذلك ينظرون الى الرئيس القادم كشخصية يجب أن تكون متّزنة و واعية سياسيا و تفكر في الاقتصاد و في ربط علاقات جيدة مع الجوار الذي يعاني مشاكل كبيرة. المواطن الليبي لا يريد للمتنفّس الغربي له أن تكون فيه أزمات.
هل هناك بعض أسماء المترشحين تواتر ذكرها في الصحافة أو من قبل الرأي العام؟
هناك بعض الأسماء المعروفة بحكم علاقتها سابقا بالقذافي، مثلا نبيل القروي او الصافي سعيد و هو أحد القوميين العرب الذين استفادوا من حكم القذافي. أيضا. هم يخشون أن يكون وزير الدفاع السابق الزبيدي رئيسا، اذ يرون في ذلك ترويجا من جديد لحكم العسكر. هم يريدون تونس مدنية مائة بالمئة.
عبير موسي ايضا تحظى بحيّز من الاهتمام نظرا لانها سيّدة و مترشحة للرئاسة. رغم أنّ الناس لايتوقعون أنّ لها حظوظ كبيرة الّا أنّه من حيث المبدأ، أن تصل سيّدة للمنافسة على الرئاسة يجلب الاهتمام و التشجيع حتى و ان كانت المترشحة من بين المحسوبين على النظام السابق. اذ أنّ نسبة مهمة من الشارع الليبي تفضل النظام السابق لأنه يمثل بالنسبة لهم الاستقرار.
بالرغم من عدم وجود دراسات مؤسساتية تحدد نسب المساندين و المعارضين لحراك فبراير، الاّ أنّ المزاج العام يؤكد أنّ عدد المؤيدين للنظام السابق كبير، خصوصا بعد الاحداث المسلحة و الدمار الذي طال ليبيا. الانهيار الاقتصادي جعل حتّى من ساندوا فبراير ضد نظام القذافي يغيّرون رأيهم. بالتالي هم ينظرون الى عبير موسي و كأنها النظام السابق، بما يضعها مع القذافي في كيس واحد. و ينظرون الى العهد السابق كعهد استقرار يربطونه بمستوى المعيشة وسعر الخبز و بعدم اللجوء الى القتل و السجن و الدمار.
الصافي سعيد هو من القوميين الذين استفادوا من نظام القذافي و مازالوا يروّجون للقذافي كشخصية اصلاحية على المستوى العربي في حين أنّ الليبيين تجاوزوا ذلك. بعد الحرب، أصبح الليبيون يتجردون اليوم بشكل كبير جدا من وهم القومية على عكس الحال في تونس حيث لا تزال القضايا العربية محلّ حماس من بينها القضية الفلسطينية. في ليبيا، الكثير لم يعد يهمّهم الشأن العربي على الاطلاق بسبب قلة التضامن العربي مع ما عاشوه من معاناة.
كما تعلمون عدة محادثات أجريت في خصوص الأزمة الليبية، تضم المجموعات المؤثرة في ليبيا و دول الجوار بهدف حلحلة الأزمة. ما هي حسب رأيكم التأثيرات التي يمكن أن تحدثها نتائج الانتخابات في تونس على مسار إيجاد حل سياسي للأزمة في ليبيا ؟
طبعا, سيتأثر المسار بنتائج الانتخابات. نحن نرى ان ترشّح الزبيدي، وزير الدفاع الذي كان على رأس المنظمة العسكرية, قد يؤدي الى التحالف مع حفتر لانه قائد عسكري مثله. العسكريون لا يؤمنون الا ببعضهم البعض و السيسي في مصر خير مثال على ذلك. اذا يخشى الليبيون أن يكون الفائز شخصية من خلفية غير مدنية قد تؤثر على موازين القوى بين الشرق والغرب. الشعب الليبي عانى 42 سنة من حكم العسكر و يريد ان يجرب نظاما اخر غير النظام العسكري. مهم جدا بالنسبة لليبيين ان لا يكون الرئيس القادم لتونس من ذوي الخلفية العسكرية.