أليكا / تونس: هل يتلاعب الإتحاد الأوروبي بدعم الفلاحة؟

“تمثل تغذية الماشية 20٪ من تكلفة اللحوم في فرنسا مقابل أكثر من 60٪ في تونس، كما يؤكّد شفيق بن روين من المرصد التونسي للاقتصاد ، و ليس سبب هذا الاختلاف “مشكلة في الإنتاجية” بل إن أسباب الفجوة بين فرنسا وتونس توجد خارج هذا الإطار حسب الخبير الاقتصادي في المرصد. فبصفتها عضوا في الاتحاد الأوروبي ، تتمتع فرنسا بدعم كبير لقطاعها الأوليّ من خلال “السياسة الزراعية المشتركة”. إذ يبلغ حجم النفقات الماليّة المرتبطة بهذه السياسة 60 مليار يورو في عام 2019 ، أي ثلث ميزانية الاتحاد لنفس العام.

تم إرساء قواعد هذه السياسة منذ أن وضعت أوّل لبنة في صرح الاتحاد، و كان هدفها الأساسي ضمان الأمن الغذائي لبلدان القارة العجوز في أعقاب الحرب العالمية الثانية. يعتبر ساسة الاتحاد الأوروبي أنه من الإستراتيجي أن يعمل المزارعون في أراضيها على ضمان الحاجات المعيشيّة الغذائية لمواطني دولهم بشكل رئيسي، و علاوة على ذلك ، فإن تمويل إنتاج الغذاء يضمن للمستهلكين الأوروبيين أسعارًا معقولة.

ومع ذلك ، فقد استغرق الأمر ثلاثين عامًا كاملة لتحقيق هذا الهدف ولكي تتولى هذه السياسة دورها ك “مُحفّز للتصدير”.

ف”بفضل السياسة الزراعية المشتركة ، تحقق الزراعة الأوروبية فائضا قدره 20 مليار يورو كل عام ، وتوفر 20 ألف وظيفة بالنسبة لكل مليار يورو من التصدير كما أكد مفوض الزراعة “فيل هوغان ” Phil Hogan في تصريح له في  فيفري الماضي.

 

هل يمكن اعتبار السياسة الزراعية المشتركة منصّة حقيقيّة للدعم؟

بالنظر إلى أن الاتحاد الأوروبي ينتج أكثر مما يستهلكه منذ سبعينيات القرن الماضي ، فقد كان عليه أن بيع جزءا من منتجاته  في السوق العالميّة . و للقيام بذلك على أتمّ وجه ، وجب أن تكون أسعار هذه المنتجات تنافسية. ومع ذلك ، فإن تكاليف الإنتاج في أوروبا تبقى أعلى منها في شمال إفريقيا على سبيل المثال. إذا كان السعر مرتفعًا ، تكون “الجودة الأوروبية” أو “المعايير الصحية الأوروبية” حجج  بيع غير مقنعة تماما في السوق. فكيف يمكن خفض سعر مبيعات التصدير دون كسر قواعد المنافسة الحرة؟ هذا المجال بالذات هو الذي تلعب فيه السياسة الزراعية المشتركة دورًا مهمًا: فمن خلال الدعم المالي للمزارع الأوروبي يمكن بشكل طردي التقليل من كلفة إنتاج البضائع.

فمن أجل تشجيع الصادرات ، كان يمكن للاتحاد أن يلجأ إلى الحل التقليدي: زيادة الرسوم الجمركية على المنتجات الزراعية المستوردة في السوق المشتركة 27 + 1. بذلك سوف يبيع المنتجون الأوروبيون سلعهم بالسعر الحقيقي للإنتاج ، ولكن الأمر متروك للمستهلك إذا ما كان يريد تحمل زيادة الأسعار. هذا الحل البديل ، الذي لم يتم التحمس له سياسياً ، سيكون موضع استهانة من لدن المجتمع الدولي ، باعتباره تدبيراً حمائياً. لذا اعتبر دعم للزراعة الأوروبية ، على الرغم من ارتفاع تكلفته ، حلا أكثر فائدة بكثير.

40.2 مليون يورو…

…هي كلفة استيراد الأعلاف الحيوانية من الاتحاد الأوروبي إلى تونس (حاجز التعريفة الجمركية بنسبة 14.47٪)

ل”الإغراق” وجوه كثيرة 

إن العقيدة القائلة بأنه حيثما توجد تجارة ، يوجد سلام ، هي أساس النهج المعاصرة المناهضة للحمائية. وبالتالي ، فمن المفترض أن تفتح الدول الأعضاء في منظمة التجارة العالمية أسواقها أمام السلع الأجنبية كالتزام منها بالسلام والاستقرار العالميّ.ولذلك ، فإن العقبات أمام حرية حركة البضائع لا تنحصر فقط في “الحواجز الجمركية” ، فهنالك أيضا “حواجز غير جمركية” تتمثل بالأساس في التشريعات التي تقلل من فرص استيراد بضاعة ما إلى بلد معين ، و هو ما يعود بالفائدة على المنتجين المحليين في ذلك البلد. على سبيل المثال ، قد تكون المعايير الصحية الصارمة للغاية لإنتاج وتخزين وتوزيع الفاكهة عائقًا أمام استيراد منتج أجنبي مماثل لا يفي بالمعايير نفسها.وبحسب “بن روين”، مؤلف دراسة “الإعانات الزراعية الأوروبية: الطريق المسدود للتفاوض حول تحرير المبادلات الزراعية”، فإن هذه السياسة الزراعية المشتركة تشكل الدعم الداخلي أو “حاجزا” جديدا للتعريفة الجمركية.

ويذكر أن “استراتيجية الاتحاد الأوروبي هي منح إعانات كبيرة للمزارعين حتى يتمكنوا من تغيير مصطنع للأسعار المحلية للاتحاد الأوروبي باتجاه التخفيض و ذلك بهدف الدخول في تعريف منظمة التجارة العالمية ل”الإغراق”. “على سبيل المثال، في حالة اللحوم: فمن خلال الدعم المالي لعلف الماشية سيقع انخفاض في تكاليف الإنتاج بشكل كبير. وأشار”بن روين” كذلك إلى أنه يوجد إغراق بهذا المعنى حسب مفهوم “منظمة التجارة العالمية “إذا كانت أسعار السلع المستوردة أقل من الأسعار المحلية. مع ذلك و وفقا لخبراء الاقتصاد، فإن الإغراق يقع إذا كان سعر سلعة أقل من متوسط ​​تكلفة الإنتاج المحلي.

بشكل أكثر تحديدا:

إذا كان إنتاج 100 لتر من الحليب في الاتحاد الأوروبي يكلف 100 €، فإنه يشمل 20 € من الدعم ، وبالتالي فإن سعر البيع في السوق المحلي هو 90 €.وإذا تم تصدير هذه البضاعة إلى تونس بقيمة 90 يورو، فإنه سيحصل “إغراق” وفقا لخبراء الاقتصاد (سعر بيع للتصدير هو أقل من تكلفة الإنتاج). ومع ذلك، ليس هناك إغراق في إطار منظمة التجارة العالمية (سعر مبيعات التصدير ليست أقل من سعر البيع المحلي)

الزيتون، القطرة التي أفاضت كأس الخلافات بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة

بالنسبة للولايات المتحدة، لم يكن هنالك من شكّ في أن الاتحاد الأوروبي قد لجأ إلى تقنية “الإغراق الاقتصادي” ولذلك قامت بالرد على ذلك بطريقة أحاديّة عبر فرض رسوم جمركية على الزيتون الأوروبي في عام 2018. وهو النهج الذي ندد به الاتحاد الأوروبي أمام منظمة التجارة العالمية. و سيكون لقرار منظمة التجارة العالمية دور الحسم في تحديد أو مراجعة سياسة الاتحاد الأوروبي للتجارة الخارجية والسياسة الزراعية المشتركة .

إذ عندما تقرر منظمة التجارة العالمية أن السياسة الفلاحية الأوروبية هي شكل من أشكال الإغراق سيتعيّن على الاتحاد الأوروبي تغيير أحد أبرز أدواته الوحدوية و أكثرها نجاعة .ووفقا لشفيق بن روين يعدّ هذا السبب لوحده كافيا  “كي لا تبدأ أي مفاوضات حول اتفاقية التجارة الحرة مع الاتحاد الأوروبي قبل فضّ منظمة التجارة العالمية لهذا النزاع. “و في سياق متّصل طلبت منظمة “بر الامان” رأي ممثل الإتحاد الأوروبي في تونس، “باتريس بيرغاميني”، حول هذا الموضوع إلا أنه فضّل عدم الرد على ذلك.

الصورة مقتبسة من تقرير الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري UTAP و المرصد التونسي للاقتصاد.

Loader Loading...
EAD Logo Taking too long?

Reload Reload document
| Open Open in new tab

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *