تحليل) إلى أي مدى يثق التونسيون في وسائل الإعلام؟)

 تصعب الإجابة بالقطع. بالرغم من ذلك، حسب سبر آراء قامت به بر الأمان بشراكة مع CFI، قال ثلثا المستجوبين أنهم ليس لهم ثقة أو لهم ثقة ضئيلة في وسائل الإعلام.

تم إجراء هذا السبر على مستوى وطني، بعينة تمثيلية للشعب التونسي تتكون من 1841 شخص. تمت صياغة الإستبيان من طرف انريكي كلاوس، وهو باحث في العلوم السياسية مختص في السوسيولوجيا السياسية لوسائل الإعلام، بمعية محمد حداد، رئيس تحرير بر الأمان.

الفرق بين انتظارات التونسيين وتقييمهم للعرض الإعلامي مثير للإنتباه : في حين ينتظر 12% من المستجوبين “التعبير عن آراء ومواقف”، يعتبر (24%) من المستجوبين أن وسائل الإعلام تنقل آراء ومواقف. من جهة أخرى، قرابة النصف (45%) يقولون أنهم لا ينتظرون شيئاً من وسائل الإعلام.

في ممارساتهم الإعلامية، لاستقاء المعلومة يتوجه المستجوبون إلى الوطنية 1 بنسبة 31%، في حين يتوجهوا 22% منهم لنسمة لنفس الغاية. في حين أن 30% من المستجوبين صرحوا أنهم لا يتجهون للتلفزة للبحث عن المعلومة. إلا أنه خلال الحملة الإنتخابية لبلديات 2018، يقول المستجوبون أنهم اختاروا التلفزة الوطنية 1 بنسبة 59%. مرةً أخرى، تأتي نسمة في المرتبة الثانية ب31% ، في حين أن هذه الأخيرة قررت مقاطعة الإنتخابات البلدية (خصصت لها 25 دقيقة فقط خلال كل الحملة!).

في هذا السبر، سألت بر الأمان المستجوبين عن تقييمهم للتغطية الإعلامية لبعض الأحداث الفارقة في 2017/2018، مثل قانون المصالحة، مجلة الجماعات المحلية، إضراب اساتذة التعليم الثانوي، المحكمة الدستورية، تأجيل الإنتخابات البلدية، إلى غير ذلك. الرضا عن جودة تغطية هذه الأحداث تتراوح بين 4% و19%، وهو دائماً ما يكون النسبة الأضعف.

وسائل الإعلام الثلاثة -الصحافة المكتوبة، الراديو، التلفزة- التي يصرح التونسيون المستجوبون أنهم يثقون فيها هي التاسعة (88%)، نسمة (23%)، الحوار التونسي (9%).

يجب هنا تنسيب هذه الأرقام لأنه من الممكن أن يكون هنالك خلط لدى المستجوبين بين “السمعة” و”الثقة”. فقد تم هذا السبر في فترةٍ صرح فيها الكثير من الصحفيين بالتحاقهم بقناة التاسعة، وهو ما أثار سخرية مستعملي انترنت (استيقظت في الصباح فوجدت نفسي في التاسعة).

أما بالنسبة لوسائل الإعلام الدولية، يقول المستجوبون أن لا ثقة لهم “البتة” بنسبة 38%. تأتي بعد ذلك France 24، بنسبة 29%. يجب مع هذا أن نبقي على نفس التحفظات في خص الخلط بين “السمعة” و “الثقة”.

بالنسبة للسؤال “حسب رأيك لأي حسب يقترب الصحفيين أكثر؟”، أجاب أكثر من نصف المستجوبين “النداء” أو “النهضة”، وهي احزاب مربوطة ب”الحكم” (نداء تونس 34% والنهضة 15%). إلا أن 17% اجابوا “لا أحد” و27% “لا أعلم”.

 

بلديات 2018 : أي دور للإعلام؟

صرح 4 تونسيين مستجوبين على 5 (80%) أن وسائل الإعلام لم تساعدهم في اختيارهم لمرشح خلال الإنتخابات البلدية. وقد وجه هذا السؤال لل564 شخص من العينة الذين شاركوا في الإنتخابات البلدية. من جهة أخرى، تبرز النتائج حسب الجنس أن وسائل الإعلام ساعدت بصفة مضاعفة النساء (28%) بمقارنة مع الرجال (16%). إذا ما اعتبرنا التوزيع الجغرافي، يمكننا القول أن المستجوبين القاطنين بالجنوب يميلون أكثر للقيام باختيارهم الإنتخابي إعتماداً على وسائل الإعلام (30%) في حين أن هذه النتائج تكون 15% في تونس الكبرى.

دون مفاجأة، كان فيسبوك مصدر المعلومات الرئيسي خلال الحملة الإنتخابية (41%)، تتبعه التلفزة (19%)، في حين صرح 15% أنهم لم يتابعوا الحملة الإنتخابية. ذكر 12% النقاشات بين الأصدقاء كمصدر للمعلومة. تجدر الإشارة أن فيسبوك يحتوي على الصفحات الرسمية لوسائل الإعلام، وكذلك لصفحات الشخصيات السياسية، القائمات المترشحة والأصدقاء.

لم يمس أي موضوع من مواضيع الحملة التونسيين المستجوبين بنسبة 79%، في حين أشعر 10% أنهم “لا يعلمون” ما هو موضوع الحملة الأكثر صدى. لنتذكر أن مجلة الجماعة المحلية لم يتم اصدارها إلا في آخر الأيام التي سبقت يوم الإنتخابات 6 ماي 2018، وهو ما حرمة القوائم المستقلة من تقديم برامج واقعية وراسخة في الواقع.

 

المشاركة في الحياة السياسية

قال قرابة نصف المستجوبين أنهم غير معنيين بتاتاً بالسياسة، في حين قال 38% منهم أنهم مهتمون “قليلاً” بالسياسة. يجب هنا تنسيب هذه النتائج، لأن سبر الأراء لا يمكِّن من اجابات كيفية، منها تصور مشترك لم تعنيه كلمة “سياسة”.

الإنتخاب هو الممارسة الأهم في المشاركة في الحياة السياسية (61%) حسب المستجوبين. تليها المشاركة في المظاهرات (9%)، الإنتماء لمنظمة غير حكومية (6%)، المشاركة في إضراب (5%)، وفي آخر الترتيب، الإنتماء لحزب سياسي (2%). لنسجل أن 32% صرحوا أنهم “لم يشاركوا أبداً في أي فعل سياسي”.

الإنتخابات الرئاسية لسنة 2014 هي الإنتخابات التي شارك فيها المستجوبون أكثر (42%)، في حين أكد 39% أنهم لم يشاركوا في أي إنتخابات (لا قبل ولا بعد الثورة). تليها اثر ذلك الإنتخابات التشريعية (34%)، إنتخابات المجلس الوطني التأسيسي (30%) ثمة البلديات (30%)، في حين صرح 15% أنهم صوتوا قبل 2011.

يعتبر سبر الآراء حول ثقة المواطنين في وسائل الإعلام ممارسةً منتشرة في العالم. ففي فرنسا مثلاً، يتم إجراء سبر “La Croix” كل شهر جانفي من كل سنة منذ 30 سنة.

 

مقاربة نقدية لسبر الآراء

هنالك تقليد سوسيولوجي في مسألة نقد سبر الآراء. وقد جسد هذا التقليد خاصةً عن طريق بيار بورديو. ففي نص عنوانه “الرأي العام غير موجود”، قام عالم الإجتماع الفرنسي بتفكيكٍ نقدي لسبر الآراء كوسيلة لقياس الرأي العام.

حسب بورديو، يقوم سبر الآراء على ثلاثة منطلقات. يقتضي المنطلق الأول إعتبار كل شخص قادراً على أن يكون له رأي. بل وأن كل شخص قادر على أن يعبر عن رأي يتعلق بشتى الوقائع الإجتماعية بمجرد أن يطرح عليه سؤال. إلا أن الرأي يفترض تفكيراً مسبقاً في المسألة المطروحة، وهو ما لا يتوفر بشرطه عند كل الأفراد.

ينطلق سبر الآراء كذلك من مبدأ أن جميع الآراء متساوية (المنطلق الثاني). وهذا يعني أن الآراء المعبر عنها لها نفس القيمة الإجتماعية. إلا أن هذا المنطلق لا يأخذ بعين الإعتبار المواقع الإجتماعية المختلفة للمعبرين و”الآثار ذات السلطة” التي يمكن أن ينتجها هذا القول.

أما بالنسبة للمنطلق الثالث، فهو يفترض أن هنالك توافق على المشاكل الإجتماعية. وهذا يظهر عن طريق ما يسميه بورديو “فرض الإشكالية”. يتم هذا الفرض بمجرد طرح نفس السؤال على الجميع. إلا أن هذه الإشكاليات ليست لها نفس الأهمية لدى جميع المستجوبين المعنيين بسبر الآراء.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *